الأحد، 1 يناير 2012

خطوات حياتها (2)... حوريا والرشيد





حوريا والرشيد

ككل صباح تقوم مبكرة تتوجه إلى الحمّام فتغسل وجهها وأطرافها بمساعدة حوريا وتعود إلى فراشها لتستقبل النافذة وتغرق مع همسات الهواء الصباحي ، تتحايل عليها حوريا لتفطر بعض لقيمات من بسكويت جاف وقليل من الحليب ثم تعود لخلوتها التي لا تقاطعها إلا تلك الخطوات المعهودة للرشيد وهو داخل إلى حديقة المستشفى متوجها لمكتبه أو قاعة المحاضرات الطبية ، تحاول أن تناديه لكن لسانها يخونها فلا يسمع له صوت، يعلم الرشيد أنها تقف في الشرفة، فينظر إليها  بابتسامة وحركات بيده يخبرها أن سأراكِ فيما بعد فتفهمها وتبتسم ، أحيانا كثيرة تكون في شوق لرؤيته   ليس لشيء إلا لمعرفة أخبار أمها وإخوتها،
الرشيد متمرس في الطب مساعد جراح طيبا وسيما متمكنا من جلب الأنظار إليه سواءً كانت من المرضى أو من الرفقاء والزملاء وحتى الأساتذة ، ابتسمت وبقيت تنتظره فجاءتها حوريا ألبستها فستانا ووضعت شبشبا في قدميها وأخذتها معها ، لم تدري إلى أين لكنها تثق بحوريا ، سارت معها في بهو طويل  طويـل  وغرف على الجانبين وصمت رهيب أحيانا وصراخ متألم أحيانا أخرى وتبادل التحيات بين الأطباء والممرضين وهم يجولون بين تلك الغرف، نزلت معها على سلمِ ضيقا نوعا ما  يلفُ لفات عدة إلى إن وصلت  بها  إلى قاعة كبيرة مزدحمة بالمقاعد طغى عليها لون ابيض والحضور شباب وبنات ، يجلسون وأنظارهم صوبها ، أجلستها حوريا على مقعد مريح وسط القاعة قريب من مكتب كبير بعيد عن الحضور بعض الشيء  والكل يتهامس  جلست غير مستريحة لم تحاول حتى رفع رأسها لتبادلهم النظرات ، فقط تنظر إلى الرشيد وحوريا  وتتساءل ويبادلاها بابتسامة دون أن يفهما تلك التساؤلات أو يتجاهلاها لكي لا تشعر بالخوف ، بعد دقائق دخل رجل يبدو عليه الاحترام أول ما رفعت رأسها نظرت إلى شعره الأبيض ونظارته التي كان يضع معظمها على انفه ، ابتسم وهو ينظر إليها ووضع يده فوق رأسها وقال: صباح الخير أيتها الجميلة فلم تستطيع أن ترد عليه حاولت بكل قواها فلم تنطلق تلك الحروف القليل والبسيطة فتضطر من حزنها ان تبتسم وتطأطئ رأسها خجلا من لسانها الذي خانها ولم تفتح عقداه لترد التحية بأحسن منها لكن حوريا والرشيد يمسحا بتلك الابتسامة المحبة كل ما يخدش إحساسها فتستريح وترسل نظرها إلى الأرض مرة أخرى تداعب تلك الشبشبة بقدميها تلفه يمنة ويسرة والكل ينظر إليها والبروفيسور يشرح أمرا  ما  هي لا تدركه  رغم أنها تساءلت في نفسها لما أنا هنا؟ ولما الكل ينظر إلي!! أحيانا يقترب منها البروفيسور ويمسك بقدميها وذراعيها و أحيانا يطلب منها أن تقف وأخرى يحاول التحدث إليها ونطق بعض الحروف التي عبثا ما كانت تحاول نطقها، حوريا تشجعها من بعيد أما هي فبدأ يظهر عليها الاضطراب والملل وبدا ذلك واضحا حين ألقت بشبشبتها بعيدا عنها قريبا من احدهم والكل منتبه إلى حركاته ، قام احدهم واخذ الشبشبة والبسه في قدميها ربما إشفاقا عليها وربما ليهدئ من توترها، إلى أن انتهى الدرس فأخذتها حوريا من جديد إلى غرفتها لتقف أمام نافذتها التي تطل على مناظر جميلة في انتظار الرشيد لعل معه بعض الأخبار عن أمها ، اقترب وقت الغذاء ولم تبالي بيه وضع الطعام أمامها فلم تنظر إليه إلى أن أمسكت حوريا  كلتا يديها الحانيتين مصحوبة بقبلتين على وجنتيها فتلتفت لتجد الرشيد برفقتها وهو مبتسم ويسألها لما لم تأكلي غذائك بعد؟  كي تأخذي دواءك ويسترسل سائلا، ألا تريدين أن تعودي إلى أمكِ؟ فتنظر إليه وكأن الدمع يدفع جفنيها دفعا ليترقرق على الخدين منتظرة الرشيد أن يكفكفها ويمسك بيدها ويجلسها  على ركبته وحوريا تجلس بجواره ويضاحكاها إلى أن تهدأ وتعود لطبيعتها .. حوريا والرشيد.. قصــة حب لم تكتمل فتلاشت حروفها مع مرور الوقت..ذاك الحب الذي  تكلل في أوله بخطبة وسعادة ربما لأيام أو شهور قليلة عندما جاءت الرشيد منحة دراسية إلى باريس كان يحلم بها طوال مشواره الدراسي في مجال الطب فكان عليه أن يخير حوريا بين أمرين كلاهما مر لا بد منه ... انتظريني إلـى حين عودتي .. أو نفسخ الخطوبة مؤقتا ولوقت غير معلوم  ، كلى الاقتراحين رفضتهما حوريا بحجة أنها لم تعد صغيرة السن وقد يفوتها قطار الزواج ، فرحل حزينا واستسلمت هي لقدرها المحتوم آملة أن يعود قريبا إليها لكنه سرعان ما تزوج من زميلة له فرنسية الأصل والجنسية بعدما تلقى منها مساعدات كثيرة ربما أراد أن يكافئها وربما أراد الاستقرار والابتعاد عن ماضي يؤلمه ، بدورها الحورية الجميلة ذات الشعر العربي الأسود المسترسل على كتفيها بدورها أرادت أن تقول له  أن كيفما نسيتني  أنساك وبنفس الكيفية التي عاقبتني أعاقبك ، وتزوجت أول شخص تقدم لخطبتها ... حين تتآلف الأرواح و يصعب تآلف الأجساد ،تتمزق شرايين القلب فيصعب الاتصال بالروح فيموت الحب بين طيات الجسد والروح ، رحل هو ورحلت هي ولكن أرواحهما متعلقة بحب  غير ناجح لكنه صادق  ، حوريا  لم تنجح في حياتها وطلقت من زوجها بعد ما أنجبت طفلة ولم تكرر التجربة مرة أخرى ، وهو شدته الفرنسية اليها معتقدة أنها سيطرت على كل جوارحه لكنها اخطأت الاعتقاد ورحل عنها وبقي  متعلقا بعشق من سراب لا يظهر في دنيا الحقيقه لم يعد يعلم شيئا عنها ولا هي علمت شيئا عنه وكلاهما متعلق بماضي جميل جمعهما بقصة حب جميلة، لكن الطفلة الصامته لم تنساهما حوريا والرشيد ...



هناك 6 تعليقات:

  1. كم انتي رائعه صديقتي
    أسلوب راقي ينم عن ثقافة واسعة و قصة تدمي القلب
    وهي فعلا الدنيا لا أحد يختار طريقه ولا زواجه ولكن تبقي الأرواح متعلقه ببعض

    ردحذف
    الردود
    1. nor
      صديقتي واختي العزيزة دايما تسعدني تعليقاتك وانا سعيده اكتر ان القصة اعجبتك وهي فعلا مؤلمة ماذا نقول دائما الدنيا لا تعطينا كل شيء لكن يبقى الامل

      حذف
  2. الردود
    1. Mohamed Amer
      تعليقك أجمل ومتابعتك لي اسعدتني ويارب يعجبك باقي القصة مع تحياتي لك

      حذف
  3. قصة مؤثرة.. ونهاية حزينة..
    استمتعت بقرائتها.. انه الحب الحقيقي يفعل مايفعل بالمحبين..
    احيانا قد نستغرب ان يكون حباً صادقاً وفي الوقت نفسه عشقاً من سراب.. ولكنه واقع جسدته القصة في ثناياها..
    تحيتي لقلمك وفكرك..

    ردحذف
    الردود
    1. قمر14 سرني اول تعليق لكِ على مدونتي ومعه كل الفائدة فعلا صدقتي انه الحب الحقيقي معظم الاحيان تكون فيه التضحية وخسارة الحبيب الى الابد
      شرفني مرورك من ها هنا و دمت بكل ود

      حذف