الخميس، 19 يوليو 2012

نــــــــــــــــــــــــــــور قلبها

غابت شمس هذا اليوم ككل تلك الايام الماضية، ولم يغب ذاك الامل الكائن في اعماق ايمانها، تترائ  لها خلف الحجب ابواب مفتحة الاقفال، يشع منها نور ساطع يتلألأ ويدفع بالابواب لتفتح عن مصرعيها،
أضاء النور أرجاء الكون ،يعصف ببقايا الظلام فيتلاشى بسرعة مخلفا وراءه اخاديد التعب يمسحها شعاعه البراق بلطف وسرعان ما تنسى ذاك الوجع الذي مر على كاهلها سنين سوداء..ظلام يتلاشى ونور يشع بين يوم وآخر تتحقق الأماني والأحلام وترتسم  الابتسامات على الاثغاروالتي لطالما افتقدت..أحلامها بسيطة سهلة المنال لكن تعيقها  العثرات فتكون حائلا دون الوصول الى مبتغاها.
........
اليوم واليوم فقط ذاقت طعم الفرحة وتحققت بعض الاماني ..لم تصدق.. فبكت بكاءا ممزوجا بدهشة وكأنها تعيش في الخيال فسجدت شكرا للرحمن ..رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير.. تتذكر هذه الآية وترددها بتمتمة ترتجف لها شفتيها ، وضعت نفسها بين خيارين لا ثالث لهما ..حضن يحتضنها وآخر هي تحتضنه ، أما من إحتضنته فكان جاف بارد خال من الاحساس الصادق  تعطيه وتضحي من أجله الكثير وتعيش له* أم* يعتمد عليها في الصعاب ويهرع اليها كلما حاسرته هموم الحياة  كالطفل الذي لا يجد بديلا عن حنان أمه.. بينما يبخل عنها بحنانه ويهرب منها اذا ارادت منه بعض الانتباه والعطف لم تفكر بمحاسرته لكنه حاسرها من كل الاتجاهات  ..أنانية طفل عاشتها معه لسنوات خرجت مكسورة القلب من تجربة بنت عليها كل الامال وشيدت قصورا تطفوا على الماء وتترائ خلف الغمام ولم تعي أنها مجرد سراب سارح في صحراء قاحلة..تداوي ببلسم المحبة جروحه اذ تألم وتزرع فرحة طويلة المدى  في حياته.. بينما هي تبكي بدل الدمع دما وحسرة وآلاما دون ادنى انتباه منه اليها، فرحلت وابتعدت وتركت قلبها تعتصره بين يديه أصابع  الآلم والندم ..هيهات أن تخلد في قلب كسرته آنانيتك فاصبح قاسيا تعصف به الشدائد ولن يلين لك ..إحيا.. كما شئت ودع ذاك القلب الموجوع يعيش كما شائت له الاقدار..كثرت العثرات واشتدت اوجاع الجروح مد يده الحانية اليها ليكون المحتضن بدفئ الابوة وعاطفة المحب ..ليس كل الذكور رجال فالذكور كثيرون والرجال يزورون الارض مرة واحدة في حياة كل منا ..ارتمت في أحضانه بلا تردد ..رجل ليس ككل الرجال..رأته كذلك بعينيها دون أعين الأخرين وأحست بنبض قلبه المتوتر الخائف من غيوب المستقبل ومن بين ظلمات اليأس يشع نور التفائل ..ماانطفئ نورك وما تغلب عليه الظلام لازالت تتلألأ أنواره خلف الحجب الساترة

*************
 فقيــــــــــ فيـــــا رب إني لماأنزلت إلي من خير ــــــــــــر
 

الجمعة، 17 فبراير 2012

خطوات حياتها 3 (حمادة)


تذكرته رغم عدم نسيانها له بعد أكثر من ثلاث وعشرين سنة مرت وكأنها البارحة تجري السنون جري المجانين حين يهتف صوت  الصرع  لخلايا الدماغ بالانفلات فلا يدرك المجنون كم قطع من مسافة غير مبالي أحافي الأقدام وعلى الأشواك يضعها أم كان شيء ما يحول بينه وبين الأذى ، بكت عيناها دموع مشتاق محب وربما دموع ندم وإشفاق ليست عليه ولكن على نفسها التائهة..

صاحب العيون الزرقاء، والبشرة النظرة  البيضاء، والقلب الذي يملك حب كبيرا وطيبة تسع كل الكون ،لا يعرف السواد ولا الحسد إلى قلبه سبيلا ، مضى في طريقه على عجالة  لم ينظر إلى الماضي ولا إلى معوقات حاولت عرقلة مسيرته ولم يحلم بمستقبله بل عاش حاضره بكل ما فيه وساعته بثوانيها ، كان يعطي لكل شيء حقه ، .. نومه أكله ..شربه .. أناقته.. حركاته.. زياراته للعائلة  ..رحلاته ..كما  لم يبخل بابتساماته. لم يحبس ضحكاته التي كانت تميل للقهقهة، ولا يحب الحزن لشيء مضى واكل عليه الدهر وشرب، أو لشيء هو في علم الغيب قد يحدث وقد لا يحدث.. مسامح ذو صدر رحب.
كلما عاد من غربته حن لدفئ العائلة الكبيرة يزورها ويهاديها بكل أنواع الهدايا غير طامع في  ملذات الحياة  فقط  يرجى ودهم والدعاء .
تمت زيارته الأولى لأسرتها، وكانت يومها صبية بكل معاني وصفات الأنوثة الجميلة بالرقة والجمال والأخلاق تميل للدين عن الدنيا كثيرا ، لما رآها لأول مرة أعجبته وأخفى إعجابه لكنه لم تكن له القدرة على إخفاء نظرات الإعجاب عنها  ، وفطنت هي لذاك الإعجاب ولم تبالي  به ، كان يكبرها بثلاثة وعشرين سنة ربما لهذا السبب اخفي إعجابه وهي لم تبالي به والقدر يمضي بحكمه وحكمته .
 وتلت زياراته المرة تلو الأخرى وفي كل مرة بمجرد ما يدخل البيت يسأل عنها أين هي؟ وكيف حالها؟ ثم يطلب رؤيتها ويصّر على ذلك ، في حين كانت تتعمد التخفي عنه والابتعاد عن مرآه وما كان يخرجها من خلوتها إلا إصراره ، فتأتي شقيقتها الكبرى لتضغط على أعصابها وتذكرها بصلة الرحم وما عليها من واجبات نحوهم وإكرام الضيف ، ذاك الوتر الحساس الذي تفضل شقيقتها الضرب عليه بكل قوة حتى الألم فتجبرها على السلام عليه والتحية ، تتعمد عدم النظر إلى عينيه بينما هو ينظر إليها بشوق وحب كبير وما إن تسلم وترحب به فتسمع منه كلام كثير لا فائدة منه إلا الثرثرة في رأيها ، تنصرف تاركة قلبا مشتاقا يتأملها من بعيد دون التفاتة منها ولا إشفاق .
كان يسافر إلى عمله في بلاد الغربة لا يعود إلا مرة واحدة في كل عام وكلما عاد لفترة قصيرة لا تتجاوز الشهر يهرع لزيارة عائلتها والاطمئنان عليها فيجدها قد أصبحت أكثر جمالا وأبهى قواما فيزداد إعجابه بها وحبه لها ويتمنى أن تحدثه ولو قليلا .

ليست متكبرة ولم تحتقره يوما ، لكنها تعيش في عالم آخر بين العلم والجهل عالم المطالعة والتفقه وما كان يغريها إلا نقاشا جادً في أمور العلم والدين ، لم يرى نور العقل فيها  ،لكنه رأى جمالا خارجيا يفنى ويتغير  تاركا منها طريقا مضيئا  مختارً قوامًا  لا يسمن ولا يغني من جوع .
 فتجاهلت عناده المظلم لعله يفطن لجانب مضيء تريده أن يراه من خلال عدم اكتراثها لإعجابه الذي أصبح ظاهرا للبعض.
ومرت سنوات عدة قرر فيها الزواج واختار أن تكون هي زوجته فسأل أحد قريباته  أن تعرف رأيها كي يتقدم باطمئنان ، لكن تلك المرأة قدمت له نصيحة قد تكون  خبيثة وقد يكون القدر أختار ذاك الجواب على لسانها .. قائلة : هي طريقها لا يلتقي بدنياك ولن تسرك ولن تسعدها ،وبسذاجة صدقها ووافقها لكنه لم يبتعد وبقي على الود والزيارة إلى أن علمت يوما أن عرسه بعد أيام ربما اخفت إعجابها به  بين طيات نفسها ولكنها لم تقاوم انزعاجها بزواجه الذي فاجأها حيث كانت تعتقد فيه صبرا وإصرار وفوق هذا كله حبا مستور لكنه صادق .. فأين الصدق في هذا الحب الذي تجاهلها  وغيرها بأخرى ؟!! كان ذاك سؤالها بين نفس وقلب يكاد يكون مجروحا، تخفي حبها وتظهر اللامبالاة بيه ، ذهبت لعرسه وقررت أن ترى عروسه دون اهتمام كبير بشكلها،
جلست مع المدعوين لكنها لم تتحمل البقاء طويلا فخرجت إلى غرفة أخرى مجاورة لغرفة المدعوين فتجالسها بنات أخيه وتضاحكنها لتجده واقف أمامها وهو يرحب بحضورها بكل حب واحترام، فبادلته التحية مستشعرة كلام كثير بين شفتين يريد أن يخبرها شيئا.. لكن بعض المدعوين افسدوا تلك اللحظات المهمة في حياتها فخرج مسرعا يضع يده في جيبه واليد الأخرى على رأسه كأنه خجل من أمر ما أو انزعج من أمر أخر.

بعد فترة تداولت فيها الأيام بأسرار خفية لا تدركها القلوب ولا الأبصار البشرية فيعدّ القدر ميعاد جديد يجمعهما في وقت واحد دون حديث بينهما ،كان يومها شقيقه مريض وهي قامت بزيارته لمكانته الكبيرة بين الأسرة والعائلة الكبيرة ، دخل مرافقا زوجته مبتسما كعادته وبمجرد ما ألقى السلام فترد عليه بسرعة ثم تتسلل من المكان   لكنه انتبه ولحق بها  ، مرة أخرى تقف بنات الأخ عائقا لحديثه معها فتهرب منه الكلمات ونظراته إليها تفضح حبا دفينا يكاد يعود للحياة من جديد بعد أن أصبح أبا لولد يشبهه في كل شيء إلا زرقة عينيه وربما أخذ من أمه ما لم يأخذ من أبيه ، تأثرت لتلك النظرات ولأول مرة تسأل نفسها بسؤال لا يفهم : لِمَ ؟ ...
استسلمت لقدر حكم  لا عودة للوراء ولا طمع في ما مضى أن يعود فالحظ لا يبتسم مرات وإنما هي مرة قد تصنع من خلالها المعجزات واختيار القدر فوق كل المختارات
جاء لزيارتهم وتلك كانت أخر النظرات جلست تحادثه وهو يضحك ويخبرها إني أكل طعام عشائي في باريس وافطر في وطني بين أهلي وكل يوم فسألته ولما تفعل هذا ليرد عليها أحاول تجهيز شهادة إقامة دائمة لابني وزوجتي في باريس ليكونا قريبين مني كانت تريد أن تسأله : إذن لن نراك بعدها أبدا لكنه رد الجواب قبل السؤال: ربما تقولين إن زوجتي أخذتني منكم ؟ لا ..  لن تأخذني ولن تنسيني في أهلي ومن أحببت ولن أكون رجلا إن فعلت ذلك و بابتسامة تؤكد وده المتواصل ، يحييها ويحيي والدتها ويمضي .

في ليلة وكعادتها مع الرؤى والأحلام ترى عرسا كبيرا في بيته ووالدته ترقص بجنون والجميع ينتظر العروس إلى أن وصلت وآلات تصوير الأفلام تعمي الأبصار بأضوائها وهي كأنها مريضة تجلس في سيارة صغيرة تشاهد العرس ..  مهرجان لدول العالم منتظرة العروس التي لم تستطيع رؤيتها .
استيقظت من نومها تشعر بآلام في كل جسمها ولم تستطع القيام من سريرها دون أن تقص رؤيا ها على أحد وفضلت كتمها في نفسها تتساءل من المعني بهذه الرؤيا المفجعة؟ ..
بعد صلاة الظهر عاد والدها للبيت ومعه خبر مفجع...

سافر حمادة مع زوجته في ذاك  اليوم لزيارة أهلها والبقاء عدة أيام مع والديها قبل السفر الطويل وعند عودته على الطريق السريع اصطدم بشاحنة لتؤدي بحياته في حينها 
لم تقوى على الوقوف حين علمت بالأمر وحتى لم تزور والدته للتعزية لم تكن لديها القدرة على ذلك ربما خوفا أن تكشف سرا كتمته حتى عن مشاعرها أن تشعر به.. حبا تجاهلته أو استهانت به  وتخافه ،  بينما القدر خط  بقلمه حروفا جرت سريعة تروي خطوات حياتها خطوة  خطوة  لا رجعة فيها  ، بكته وليت للدموع القدرة على إعادته للحياة، تجلس على سريرها وكل أسرتها في بيت حمادة تساعد، وتواسي عن  المصاب، وتخفف عن الآلام  .. وجهاز التلفاز مكتوم الصوت تستأنس بصوره ، تنظر أحيانا الى مكانه الذي جلس فيه أخر مرة وتتخيله يبتسم وتزداد دموعها تحرق مقلتيها وشيء ما في صدرها لم تفهمه يكاد قلبها يصرخ فيها : لماذا تبكي الآن  أهو ندم ؟ أم آلم ؟ أو وجع جمع بين الحب والفراق ، رحل حمادة ولن يعود...  أفيقي فقد أبعدك صمت السبات عنه ولفكِ بكفن الوداع  ..أفيقي لم يعد هناك حمادة تستهوين عواطفه وتخشين نظراته  وتبتعدين مستنكرة حبه .. مرت صور في تلك اللحظات على شاشة التلفاز في نشرة الأخبار لقطات من حادث مرعب أثناء مهمة لطاقم صحافي صادفه ذاك الحادث فنشره ببث مسجل وكأنها كانت قد شاهدت الحادث أمام عينيها أسرعت لترفع الصوت وتسمع أن تلك السيارة لحمادة وكان شكل السيارة مروع لا يمكن لأحد أن ينجو منه إلا برحمة الله.
 وانتهت  خطوة من خطواتها عاشتها بعيدة عن حب حمادة وتألمت لرحيله  لم تحسن استقبال قلب محب كما انه لم يحسن إيصال ذاك الحب إلى قلبها إلى أن دفن معه .




السبت، 4 فبراير 2012

حزينة أنا كيف صرنا


حزينة أنا كيف صرنا؟!!
دمى تلعب بهم الأيادي
وشتت شملهم الأعادي
أرواح بريئة زهقت.. تنادي
ونساء هتكت عفافها في كل وادي
وراعي كالضبع ينقض على الجيادي
وأطفال يتامى بصراخها تمزق لفؤادي
هنيئا لكي يا أمة ضاعت أخلاقها
وما بقي لها من هادي
يوم أصبح الذئب راعي والراعي بلا زادي
ضاعت أخلاقنا وتربص العدو بنا
فليس لنا إلا رحمة رب العبادي
انتفض يا مسلم لا تستسلم
وخذ سيفك ولإخوانك انتقم
لا تقطع نباتا و للطفل من أمه ارحم
لا تقتل عاجزا وعلى الأعراض لا تتهكم
قــم وانفض غبار الهوان وحطم
قناع الذل على ما فاتك لا تندم
فهذا وقت  مجدك قد عاد
إما أسد يزأر أو للأبد  هر نائم
 

الأحد، 1 يناير 2012

خطوات حياتها (2)... حوريا والرشيد





حوريا والرشيد

ككل صباح تقوم مبكرة تتوجه إلى الحمّام فتغسل وجهها وأطرافها بمساعدة حوريا وتعود إلى فراشها لتستقبل النافذة وتغرق مع همسات الهواء الصباحي ، تتحايل عليها حوريا لتفطر بعض لقيمات من بسكويت جاف وقليل من الحليب ثم تعود لخلوتها التي لا تقاطعها إلا تلك الخطوات المعهودة للرشيد وهو داخل إلى حديقة المستشفى متوجها لمكتبه أو قاعة المحاضرات الطبية ، تحاول أن تناديه لكن لسانها يخونها فلا يسمع له صوت، يعلم الرشيد أنها تقف في الشرفة، فينظر إليها  بابتسامة وحركات بيده يخبرها أن سأراكِ فيما بعد فتفهمها وتبتسم ، أحيانا كثيرة تكون في شوق لرؤيته   ليس لشيء إلا لمعرفة أخبار أمها وإخوتها،
الرشيد متمرس في الطب مساعد جراح طيبا وسيما متمكنا من جلب الأنظار إليه سواءً كانت من المرضى أو من الرفقاء والزملاء وحتى الأساتذة ، ابتسمت وبقيت تنتظره فجاءتها حوريا ألبستها فستانا ووضعت شبشبا في قدميها وأخذتها معها ، لم تدري إلى أين لكنها تثق بحوريا ، سارت معها في بهو طويل  طويـل  وغرف على الجانبين وصمت رهيب أحيانا وصراخ متألم أحيانا أخرى وتبادل التحيات بين الأطباء والممرضين وهم يجولون بين تلك الغرف، نزلت معها على سلمِ ضيقا نوعا ما  يلفُ لفات عدة إلى إن وصلت  بها  إلى قاعة كبيرة مزدحمة بالمقاعد طغى عليها لون ابيض والحضور شباب وبنات ، يجلسون وأنظارهم صوبها ، أجلستها حوريا على مقعد مريح وسط القاعة قريب من مكتب كبير بعيد عن الحضور بعض الشيء  والكل يتهامس  جلست غير مستريحة لم تحاول حتى رفع رأسها لتبادلهم النظرات ، فقط تنظر إلى الرشيد وحوريا  وتتساءل ويبادلاها بابتسامة دون أن يفهما تلك التساؤلات أو يتجاهلاها لكي لا تشعر بالخوف ، بعد دقائق دخل رجل يبدو عليه الاحترام أول ما رفعت رأسها نظرت إلى شعره الأبيض ونظارته التي كان يضع معظمها على انفه ، ابتسم وهو ينظر إليها ووضع يده فوق رأسها وقال: صباح الخير أيتها الجميلة فلم تستطيع أن ترد عليه حاولت بكل قواها فلم تنطلق تلك الحروف القليل والبسيطة فتضطر من حزنها ان تبتسم وتطأطئ رأسها خجلا من لسانها الذي خانها ولم تفتح عقداه لترد التحية بأحسن منها لكن حوريا والرشيد يمسحا بتلك الابتسامة المحبة كل ما يخدش إحساسها فتستريح وترسل نظرها إلى الأرض مرة أخرى تداعب تلك الشبشبة بقدميها تلفه يمنة ويسرة والكل ينظر إليها والبروفيسور يشرح أمرا  ما  هي لا تدركه  رغم أنها تساءلت في نفسها لما أنا هنا؟ ولما الكل ينظر إلي!! أحيانا يقترب منها البروفيسور ويمسك بقدميها وذراعيها و أحيانا يطلب منها أن تقف وأخرى يحاول التحدث إليها ونطق بعض الحروف التي عبثا ما كانت تحاول نطقها، حوريا تشجعها من بعيد أما هي فبدأ يظهر عليها الاضطراب والملل وبدا ذلك واضحا حين ألقت بشبشبتها بعيدا عنها قريبا من احدهم والكل منتبه إلى حركاته ، قام احدهم واخذ الشبشبة والبسه في قدميها ربما إشفاقا عليها وربما ليهدئ من توترها، إلى أن انتهى الدرس فأخذتها حوريا من جديد إلى غرفتها لتقف أمام نافذتها التي تطل على مناظر جميلة في انتظار الرشيد لعل معه بعض الأخبار عن أمها ، اقترب وقت الغذاء ولم تبالي بيه وضع الطعام أمامها فلم تنظر إليه إلى أن أمسكت حوريا  كلتا يديها الحانيتين مصحوبة بقبلتين على وجنتيها فتلتفت لتجد الرشيد برفقتها وهو مبتسم ويسألها لما لم تأكلي غذائك بعد؟  كي تأخذي دواءك ويسترسل سائلا، ألا تريدين أن تعودي إلى أمكِ؟ فتنظر إليه وكأن الدمع يدفع جفنيها دفعا ليترقرق على الخدين منتظرة الرشيد أن يكفكفها ويمسك بيدها ويجلسها  على ركبته وحوريا تجلس بجواره ويضاحكاها إلى أن تهدأ وتعود لطبيعتها .. حوريا والرشيد.. قصــة حب لم تكتمل فتلاشت حروفها مع مرور الوقت..ذاك الحب الذي  تكلل في أوله بخطبة وسعادة ربما لأيام أو شهور قليلة عندما جاءت الرشيد منحة دراسية إلى باريس كان يحلم بها طوال مشواره الدراسي في مجال الطب فكان عليه أن يخير حوريا بين أمرين كلاهما مر لا بد منه ... انتظريني إلـى حين عودتي .. أو نفسخ الخطوبة مؤقتا ولوقت غير معلوم  ، كلى الاقتراحين رفضتهما حوريا بحجة أنها لم تعد صغيرة السن وقد يفوتها قطار الزواج ، فرحل حزينا واستسلمت هي لقدرها المحتوم آملة أن يعود قريبا إليها لكنه سرعان ما تزوج من زميلة له فرنسية الأصل والجنسية بعدما تلقى منها مساعدات كثيرة ربما أراد أن يكافئها وربما أراد الاستقرار والابتعاد عن ماضي يؤلمه ، بدورها الحورية الجميلة ذات الشعر العربي الأسود المسترسل على كتفيها بدورها أرادت أن تقول له  أن كيفما نسيتني  أنساك وبنفس الكيفية التي عاقبتني أعاقبك ، وتزوجت أول شخص تقدم لخطبتها ... حين تتآلف الأرواح و يصعب تآلف الأجساد ،تتمزق شرايين القلب فيصعب الاتصال بالروح فيموت الحب بين طيات الجسد والروح ، رحل هو ورحلت هي ولكن أرواحهما متعلقة بحب  غير ناجح لكنه صادق  ، حوريا  لم تنجح في حياتها وطلقت من زوجها بعد ما أنجبت طفلة ولم تكرر التجربة مرة أخرى ، وهو شدته الفرنسية اليها معتقدة أنها سيطرت على كل جوارحه لكنها اخطأت الاعتقاد ورحل عنها وبقي  متعلقا بعشق من سراب لا يظهر في دنيا الحقيقه لم يعد يعلم شيئا عنها ولا هي علمت شيئا عنه وكلاهما متعلق بماضي جميل جمعهما بقصة حب جميلة، لكن الطفلة الصامته لم تنساهما حوريا والرشيد ...